وبقى منها حطام انثى منال سالم
من بين أسنانه
ليه .. ليه .. كان فين مخي !
تابع الطبيب قائلا بجدية
انتبه له محسن وسيطر سريعا على حالته الهائجة وهتف مقاطعا إياه بغلظة وعينيه تنطقان بالشرر الصريح
ده كان قضاء وقدر .. سامع يا دكتور .. قضاء وقدر !!!
استشعر الطبيب من لهجته العدائية وجود ټهديد بين كلماته المتوارية فأطرق رأسه خوفا منه خاصة أن قرأ في عينيه نية مبيتة لإيذائه .. لذا تنحنح بخشونة وهو يضع يده على فمه
ثم تركه وتحرك مبتعدا عنه ليكمل عمله ...
........................
وقفت أمل إلى جوار باب غرفة العمليات منتظرة بتلهف خروج تلك المسكينة التي فقدت شيئا ثمينا تتمناه مثيلاتها في لحظة جنون وطيش من زوجها دون أن تدري بوجوده أصلا ..
تحرك اثنين من الممرضين نحوها وهما يدفعان أمامهما ناقلة طبية ممدد عليها إيثار ..
إيثار ! ان شاء الله هاتبقي كويسة و...آآآ...
قاطعها الممرض قائلا بنبرة رسمية
حاسبي شوية يا ست
نظرت له بتوسل وهي تقول
أنا عاوزة اطمن عليها
رد عليها بجمود نسبي
هي هتتنقل على أوضة عادية وإنتي تقدري تشوفيها هناك
تركتهما ينصرفان بها واستدارت بجسدها ناحية محسن الذي بدى في حالة غريبة .. لم يظهر عليه الندم .. ولكن تشكل على وجهه تعابير الوجوم الصريحة ..
لم تتوقف عن رمقه بنظرات تحمل اللوم واﻹستهجان .. فكل ما تعانيه تلك البائسة نتيجة بطشه القاسې .. ورغم هذا لم تنبس ببنت شفة ..
.............................
على الجانب اﻷخر طرق عمرو بكفه بعصبية واضحة على سطح المكتب الخشبي القديم وهو يهدر منفعلا
أجابه الموظف بهدوء مستفز وهو يغلق الملف القديم
مش متسجل عندنا حاجة !
صاح بها عمرو بإنفعال أشد
ازاي ! مش انتو شئون عاملين وكل التفاصيل بتاعة الناس اللي شغالة هنا المفروض تكون عندكم !
رد عليه الموظف بصوت جاف
ايوه .. بس المعظم بيغير عناوينهم .. ومش بيبلغنا فده مش ذنبنا يا أخ عمرو !!!
طب هاوصله ازاي
بدت عليه الحيرة واضحة فحاول الموظف مساعدته فبادر قائلا
شوف يا أستاذ عمرو .. الأستاذ شعبان ممكن يدلك على عنوانه !
انتبه عمرو إلى ما قاله الأخير خاصة أن كلماته أضاءت بارقة الأمل لديه ..
قطب هو جبينه مهتما وسأله بتلهف
رد عليه الموظف بتفاخر
ده أقدم مننا كلنا ويعرف دبة النملة هنا .. فاحتمال كبير يكون عارف عنه أي حاجة تفيدك
تلاحقت أنفاس عمرو نوعا ما بعد تلك الأخبار المبشرة فربما يكون هذا الشخص هو طرف الخيط الذي سيوصله بمحسن ..
سأله بنزق وهو يميل بجسده للأمام ليستند بكفيه على السطح الخشبي للمكتب
طب هو فين
أجابه الموظف بهدوء
في أجازة وهيرجع على أول الاسبوع
سأله عمرو دون تردد وقد ضاقت نظراته
طب مالوش موبايل ولا رقم أوصله
هز الموظف رأسه نافيا وهو يجيبه
مش هايرد عليك .. بعيد عنك دماغه قفل من ناحية التكنولوجيا
نفخ عمرو بضيق فهو يعلم تلك النوعية من الأشخاص أو ما يطلق عليهم أعداء التكنولوجيا الذين ينبذون كل ما له علاقة بوسائل الإتصال الحديثة ..
ظل الموظف يتطلع إليه بنظرات مترقبة منتظرا ردة فعله القادمة .. فتنهد عمرو بإرهاق وهو يقول على مضض
ماشي .. بس الله يكرمك أول ما يجي بلغني ....!!
بأمر الله
انصرف بعدها عمرو وهو يتمتم بكلمات مبهمة يلعن فيها عدم تريثه وربما سوء اختياره لذلك الشخص الغير مؤتمن على شقيقته ..
.............................
لم تكف تحية عن الاتصال بإبنها لتعرف أخر المستجدات منه عن ابنتها الصغيرة إيثار ..
ما آلمها أنها
لم تقف إلى جوارها في أشد أوقاتها احتياجا لها ..
تورمت عيناها من كثرة البكاء حسرة عليها ولم يتوقف لسانها عن التضرع للمولى لطمأنتها عليها .. خاصة وأن صوت صړاخها الأخير وما تبعه من تهديدات عڼيفة جعلها غير قادرة على الوقوف على قدميها فإنهارت تولول وتلطم بهلع جلي ..
بينما لم يتوقف رحيم عن محاولة التصرف بطريقته من أجل الوصول إلى محسن .. لكنه كان عاجزا في هذا البلد الغريب عن اتخاذ اللازم فغالبية معارفه مقيمون بالقاهرة .. ولم يرد أن يدخل أخيه مدحت في تلك المسألة حتى لا يثير الضجة أكثر .. لذا كان اعتماده الكلي على ولده عمرو ..
.................................
استعادت إيثار وعيها تدريجيا وفتحت عيناها ببطء لتتأمل المكان من حولها ..
ما أرهقها هو قوة الإضاءة التي تؤلم عينيها ..
أصدرت أنينا مكتوما وهي تحاول تحريك جسدها على الفراش فقد كانت هناك عدة وخزات حادة تؤلمها في أماكن متفرقة ..
شعرت بيد ناعمة توضع على جبينها فرفع عيناها نحوها لتجد أمل تطالعها بنظرات حنونة ..
ابتسمت لها الأخيرة وهي تقول بخفوت
حمدلله على سلامتك
همست لها إيثار بصوت واهن وهي تنظر إليها
هو .. هو حصل ايه
ضغطت أمل على شفتيها بقوة وأجابتها من بينهما بحزن
انتي .. انتي وقعتي وآآ.. والحمل بتاعك راح !
اتسعت عيناها بذهول وهمست بصوت متقطع
آآ.. ح.. حمل
ابتلعت أمل
ريقها وحاولت المحافظة على ابتسامتها المطمئنة وهي تتابع بحذر
إنتي .. كنتي حامل بس ربنا مأردش إنه ..آآ.. يكمل
هزت رأسها مستنكرة وبدأت العبرات تتجمع في مقلتيها .. وصړخت بصوت ضعيف عاجز
لأ.. لأ ..
اقتحم عقلها ومضات قاسېة مما تعرضت له على يد محسن من ضربات عڼيفة وإهانات لاذعة حتى لم تعد تشعر بشيء ..
تحركت يدها عفويا على بطنها لتتحسسه فنظرت لها أمل بحزن واضح ومدت يدها لتضم كفها في راحتها وضغطت عليه بأصابعها وهي تقول بصوت شبه مخټنق
شششش .. هاتتعوض يا حبيبتي اهدي بس !
نهج صدر إيثار
علوا وتلاحقت أنفاسها وهي تصرخ في عدم تصديق
لألألأ .. !!
وجدت صعوبة في التنفس بصورة طبيعية وهي تتذكر صڤعات محسن العڼيفة عليها ضرباته القوية على جسدها الضعيف ..
آلمها بشدة أنها لم تستطع أن تنعم ولو للحظات بإحساس كونها ستصير أما .. ففقدت ذلك الشعور على يده ..
قاومت أمل انهمار عبراتها أسفا عليها .. وصاحت بتوجس من حالتها النفسية السيئة
اهدي يا ايثار إنتي ربنا بيحبك والله ورحمك من حاجات آآ....
لم تكمل عبارتها الأخيرة حيث قاطعها صوت محسن المستفز
حمدلله على السلامة يا حلوة
اشتعلت عيناي إيثار ڠضبا عند رؤيتها إياه .. وتحول وجهها لكتلة دموية حمراء رغم شحوبه ..
فمجرد وجود شخص مثله معها في نفس المكان يثير حنقها وانفعالها .. فهدرت بلا وعي وهي تكز على أسنانها
آآ.. إنت
ابتسم لها بسماجة وهو يقترب منها ليقول
أنا مكونتش أعرف إنك حامل بس هانعوض يا قمر احنا لسه قدامنا آآ....
لم تتحمل إيثار طريقته المستفزة في الحديث وكأنه لم يرتكب جرما شنيعا في حقها .. فصړخت بإنفعال رغم آلامها
اطلع برا .. !!
دنا منها أكثر وهو يقول ببرود
حقك تزعلي مني بس أنا هاعوضك ده إنتي الحتة اللي في الشمال
توقفت لثانية لتلتقط أنفاسها قبل أن تتابع بشراسة رغم بحة صوتها
انت .. انت مش بني آدم انت حيوان .. حيوان !
قطب جبينه بإندهاش من وقاحتها الصاډمة وعاتبها ببرود
الله ! الله الله ! ليه الغلط بس يا حبيبتي !
رأت أمل احتدام الأجواء الغاضبة بينهما فاتجهت نحو محسن ووضعت يدها على ذراعه ودفعته للخلف وهي تقول بتوجس
امشي دلوقتي يا محسن
نظر لها بطرف عينه وهو يقول بغيظ
انتي مش شايفة لسانها الطويل وأنا بس ساكت عشان حالتها
رمقته أمل بنظرات ڼارية قبل أن تصرخ فيه بحنق
انت معندكش ډم ولا احساس واحدة ضيعت حملها بغباءك عاوزها أول ما تشوفك تاخد بالأحضان
أطرق رأسه حرجا من كلماتها وأخفض صوته ليقول بإمتعاض
مش كده بس آآ...
قاطعته أمل قائلة بإصرار
من غير بسبسة اتوكل على الله وبعد كده نتكلم
ثم دفعته من ظهره للأمام ليخرج من الغرفة ..
رتب مدحت حفلا كبيرا ليعقد فيه قران ابنته سارة على الشاب الثري رامز ..
كانت مفاجأة لعائلة رحيم زواج سارة السريع ولم يكن أمامهم سوى مباركة تلك الزيجة الغريبة التي لم يهتموا بمعرفة تفاصيلها كثيرا فهم مشغولون بما ألم بإيثار..
اتفق الطرفان على إنهاء كل شيء في أقرب وقت فلم يكن هناك داع للإنتظار فلا يوجد منزل للزوجية للتريث من أجل انهائه ولا أثاث يلهثون وراء شراءه بالإضافة
إلى حاجة رامز للسفر للخارج بصحبة عروسه في أقرب وقت متاح ...
انبهرت سارة بالشبكة التي ابتاعها لها .. فقد كانت باهظة الثمن مغرية .. ټخطف الألباب والأنظار .. وبالطبع كانت فرصتها الثمينة للتباهي أمام أقاربها ورفيقاتها ..
ودت لو كانت غريمتها إيثار متواجدة لتريها الفارق بينهما وتتفاخر بحظها الجيد الذي أوقعها مع ذلك العريس اللقطة والذي سيلبي لها كل أحلامها ...
وما إن انتهت مراسم الزواج والحفل البهيج حتى اصطحب رامز عروسه في سيارة فاخرة ليقضوا ليلتهما المميزة في فندق شهير وبعدها يستعد كلاهما للذهاب إلى المطار لتبدء بعدها سارة في رحلة شهر عسلها الغامض ....
......................................
مرت عدة أيام والأوضاع لم تتغير كثيرا لدى إيثار فحالتها النفسية في الحضيض ومع هذا اضطرت أن تعود بعد امتثالها للشفاء إلى المنزل الريفي .. ولكنها كانت أكثر شحوبا أكثر ذبولا وأكثر فقدا للحياة ..
لم تتركها أمل للحظة وظلت باقية إلى جوارها لتهون عليها ما مرت به ..
مسحت على ظهرها وهي تقول بهدوء
ارتاحي يا إيثار وشوية وهاجيبلك تاكلي